الأربعاء، 27 مارس 2013

ذبابة القذافي



ليس للقاذورات وحدها مزبله ، فللتاريخ مزبله ترمي بها الشعوب ما شاءت من النفايات التاريخيه لتماثيل حطمتها لأبطال وملوك مخلوعين ..
وللحياة مزبلة تلقي بها القلوب النفايات العاطفيه لشخوص تكسرت وذكريات تآكلت ..
المزبلة هي مستودع النفايات ..
فيما ذهب القذافي مؤخرا الى مزبلة التاريخ بنهايته المأساوية تزاحمت المشاهد المصورة لموت القذافي ، جنون القذافي ، أقوال القذافي ، جرائم القذافي ، لحظة القبض على القذافي ، جثة القذافي .. الخ لكني وحدي توقفت مليا أمام مشهد ذبابة القذافي !
نعم ذبابة صغيره طائره حامت ووقفت للحظات على جثته ربما لم يلحظها أحد !
لم تمر بخاطر أحد ، فهي الأكثر تفاهة لكنها مرت بخاطري !
كيف ولماذا الذبابه ؟؟
لأنها من خلال عدستي الخاصة بدت وكأنها العنوان أو الخلاصة أو زبدة الموضوع .
هي قد تعني الكثير وقد لا تعني شيئا على الاطلاق ..
فليس هناك ما هو أقل وضاعة من شىء ملقى تحوم عليه أو تقف ذبابه إذ مشهد الذبابه يضيف على أي شىء مهمل أو ملقى مزيدا من التحقير والتفاهة بل والتشفي ..
الشاعر قد يختصر مشاعره ومواقفه ببيت شعر والفنان يختصر فلسفته بلوحة فنيه لا أكثر والاديب قد يقول ما لم يقله دهرا في جملة مختصره على غلاف كتابه الخلفي !!
الحياة وأقدارها أيضا تبدو كما لو أنها تفعل مثلنا تماما حين تختصر تصاريفها في مشهد صغير معبر ومؤثر وناطق بكل اللغات..
فأن تحوم ذبابه على جثة ديكتاتور طالما مثل رمزا لوهم القوة وجبروت التسلط وعنف الفكرة والاعتقاد لهو اختصارا لقصة طويلة واختزالا لفلسفة الحياة التي تصفعنا بحقيقة أن لا شىء من معتقداتنا الخرافيه وأوهامنا المخيفه سوى سراب..
لا شىء سوى الوهم ..
قالت هذه الذبابه الكثير دون ان تقول واستدعت لذاكرتي مشهد علق في زواياها الخفيه بكل ظلاله الكئيبة قرأته في رواية بعنوان (نساء بأقفال) تحكي قصة عذراء في الخمسين في لحظة حزن وتمرد قررت الفتك بعذريتها في مشهد صغير يختزل القضية حين التفتت البطله لتتأمل دامعة ذبابة حطت على ورقة المحارم المبللة بقطرات الدم القتها على الارض وهي تتكىء متألمه على جذع شجره حيث اكتشفت انها أضاعت عمرا في حراسة قطرة دم تغذت عليها ذبابه كان إسمها الشرف !
ذات الذبابه قد حطت على جثة صنم مات بسببه ولأجله لآلاف البشر كان اسمه ملك ملوك افريقيا !!
إذا كان الوهم نصف المرض ، والندامة نصف التوبه ، فإن تحطيم الصنم هو نصف العلاج فقط .

0 Comments: